عناصر العقد الإداري

يُعد العقد الإداري أحد الركائز الأساسية التي تعتمد عليها الدولة في تنظيم شؤونها الإدارية وتحقيق المصلحة العامة من خلال التعاقد مع الأفراد أو الشركات لتنفيذ مشروعات أو تقديم خدمات تدخل في نطاق الوظيفة الإدارية للدولة. ويتميز هذا النوع من العقود بكونه يخضع لأحكام القانون العام وليس للقانون المدني، كما يتمتع بصفات خاصة تمنحه طابعًا مميزًا يجعله مختلفًا عن العقود المدنية أو التجارية. وتكمن أهمية دراسة عناصر العقد الإداري في التعرف على بنيته القانونية ومقوماته الأساسية التي بدونها لا يقوم أو يفقد صفته الإدارية.

يتكون العقد الإداري من مجموعة من العناصر الجوهرية التي تشكل أسسه القانونية، وهذه العناصر تنقسم إلى عناصر عامة توجد في جميع أنواع العقود، وعناصر خاصة تميّز العقد الإداري عن غيره. وتشمل هذه العناصر: الرضا، المحل، السبب، الشكل، والسلطة الإدارية، ووجود شروط استثنائية غير مألوفة في العقود المدنية، وارتباط العقد بالمرفق العام.

أولاً: الرضا كعنصر أساسي في العقد الإداري

الرضا هو توافق إرادتين أو أكثر على إنشاء علاقة قانونية معينة، وهو ما ينطبق على العقود بصفة عامة، بما في ذلك العقود الإدارية. غير أن ما يميز الرضا في العقود الإدارية هو أن أحد طرفيه يتمثل في جهة إدارية تتمتع بسلطات استثنائية، وبالتالي فإن إرادتها تتسم ببعض السمات الخاصة مثل السلطة التقديرية واتخاذ القرارات الأحادية.

وينبغي أن يكون الرضا صحيحًا وسليمًا من العيوب مثل الغلط، أو الإكراه، أو التدليس، وإلا أدى ذلك إلى بطلان العقد أو قابليته للإبطال، على الرغم من أن القضاء الإداري غالبًا ما يُراعي طبيعة الإدارة كطرف في العقد ويعتمد على توازن المصالح عند تقييم مدى تأثير هذه العيوب.

ثانياً: المحل في العقد الإداري

يُقصد بالمحل في العقود الإدارية ما يكون موضوعًا للالتزامات المتبادلة بين طرفي العقد. ولا يختلف هذا التعريف كثيرًا عن العقود المدنية، غير أن المحل في العقود الإدارية يجب أن يكون متعلقًا بالخدمة العامة أو بالمصلحة العامة، مما يجعله يختلف في طبيعته وخصائصه عن محل العقود المدنية أو التجارية.

ويشترط في محل العقد الإداري أن يكون ممكنًا، مشروعًا، ومحددًا أو قابلًا للتحديد، وألا يكون مخالفًا للنظام العام أو الآداب. كما يشترط أن يكون المحل قابلاً للتنفيذ من قبل المتعاقد، وأن يخدم هدفًا عامًا مثل إنشاء طريق أو بناء مدرسة أو إدارة مرفق عام.

ثالثاً: السبب في العقد الإداري

السبب في العقد الإداري هو الدافع القانوني الذي يدفع طرفي العقد إلى إبرامه، وهو ما يُعرف في الفقه القانوني بالباعث القانوني. ويُشترط في السبب أن يكون مشروعًا وألا يتعارض مع أحكام النظام العام. فمثلًا، إذا كان الهدف من التعاقد هو التهرب من الالتزامات القانونية أو تحقيق مصلحة خاصة مخالفة للمصلحة العامة، فإن العقد يكون باطلًا.

ويتميز السبب في العقود الإدارية بأنه غالبًا ما يكون مرتبطًا بخدمة مرفق عام أو تحقيق مصلحة عامة. لذلك، فإن مخالفة السبب للمصلحة العامة أو انحرافه عن أهداف الخدمة العامة قد يُعرض العقد للإلغاء أو البطلان.

رابعاً: الشكل في العقد الإداري

رغم أن مبدأ الرضائية يُعد أساسًا في العقود المدنية، فإن العقود الإدارية غالبًا ما تشترط شكلاً معينًا لإبرامها، خاصةً إذا تعلقت بمصالح عامة أو استخدمت فيها الأموال العامة. ويأخذ الشكل في العقود الإدارية صورة إجراءات محددة تتعلق بالمناقصات أو المزايدات أو الاعتمادات المالية أو موافقة جهات إشرافية عليا.

ويعد الشكل من العناصر الجوهرية في العقود الإدارية، حيث يشترط أن يتم إبرام العقد وفقًا لنصوص تنظيمية دقيقة تضمن الشفافية وحماية المال العام. فمثلًا، غالبًا ما يُشترط الإعلان عن المناقصة في الصحف الرسمية، أو إخضاع العقد لموافقة ديوان المحاسبة أو الجهة الرقابية المختصة.

خامساً: وجود الإدارة كطرف أساسي في العقد الإداري

يعد وجود شخص معنوي عام أحد أهم السمات التي تميز العقد الإداري عن غيره من العقود. وهذا الشخص يمكن أن يكون الدولة أو إحدى الوحدات المحلية أو هيئة عامة، بحيث تكون هذه الجهة طرفًا في التعاقد وتسعى من خلاله إلى تحقيق المصلحة العامة.

ويمتاز هذا الطرف الإداري بامتلاكه سلطات استثنائية لا تتوافر في العقود المدنية، مثل سلطة تعديل شروط العقد من جانب واحد، أو فسخه دون اللجوء للقضاء، أو فرض جزاءات على المتعاقد معه، وهي سلطات تهدف إلى ضمان استمرارية المرفق العام وعدم تأثره بتعثر التنفيذ أو تعارض المصالح.

سادساً: الطابع المصلحي – العقد الإداري في خدمة المرفق العام

يشترط في العقد الإداري أن يكون مرتبطًا بمرفق عام أو يهدف إلى تسيير هذا المرفق أو تطويره. ويعد هذا الارتباط من السمات الجوهرية التي تمنح العقد صفته الإدارية، حيث يكون الغرض من التعاقد هو تحقيق منفعة عامة وليس مجرد منفعة شخصية أو ربح مادي.

ويأخذ هذا الطابع أشكالًا متعددة، منها بناء البنية التحتية كالمطارات والطرق، أو تشغيل مرافق خدماتية كالنقل والمياه والكهرباء. ويُشترط في هذا الارتباط أن يكون حقيقيًا وليس صوريًا، أي أن العقد يجب أن يخدم مرفقًا عامًا قائمًا بالفعل أو يُنشأ لغرض خدمة عامة.

سابعاً: وجود شروط استثنائية وغير مألوفة في العقود المدنية

من أبرز عناصر العقد الإداري وجود شروط استثنائية تُخرج العقد من نطاق القواعد العامة التي تحكم العقود المدنية. وهذه الشروط تمنح الجهة الإدارية امتيازات خاصة تمكنها من السيطرة على العقد وضمان تنفيذ المرفق العام بانتظام واطراد.

وتتجلى هذه الشروط في صور متعددة مثل:

ثامناً: خضوع العقد لاختصاص القضاء الإداري

من الخصائص الملازمة للعقود الإدارية خضوعها لاختصاص القضاء الإداري وليس للقضاء العادي. ويعود ذلك إلى الطبيعة الخاصة لهذه العقود التي تتطلب خبرة إدارية وقضائية تتلاءم مع طبيعة العلاقة بين السلطة العامة والأفراد.

ويمتاز القضاء الإداري بقدرته على التوفيق بين مبدأ سيادة القانون ومبدأ استمرارية المرافق العامة. ويملك هذا القضاء سلطة مراقبة مدى التزام الإدارة بالشروط التعاقدية، وشرعية القرارات الأحادية التي قد تتخذها الإدارة في إطار العقد.

تاسعاً: تمويل العقد من المال العام

تُبرم العقود الإدارية غالبًا باستخدام الأموال العامة المخصصة من الميزانية العامة للدولة أو من الهيئات العامة. ولهذا فإن أي إخلال ببنود العقد لا يؤثر فقط على طرفيه، بل قد يمتد أثره إلى المصلحة العامة والمال العام.

ويفرض هذا الطابع المالي للعقد الرقابة من قبل أجهزة متعددة مثل الهيئات الرقابية والمالية وديوان المحاسبة. كما يخضع العقد لأحكام صارمة في ما يتعلق بالمشتريات الحكومية، وتنظيم الشروط المرجعية، وطرق الإنفاق الحكومي.

عاشراً: المراحل الإجرائية للعقد الإداري

تمر العقود الإدارية بمراحل متعددة قبل وأثناء وبعد التعاقد، ويُشترط في كل مرحلة الامتثال لضوابط تنظيمية دقيقة، تبدأ من التخطيط للحاجة العامة، مرورًا بمرحلة إعداد الوثائق والشروط، ثم الإعلان العام واستقبال العطاءات، وانتهاءً بمرحلة التنفيذ والمراقبة والمتابعة.

وتتسم هذه المراحل بالتعقيد التنظيمي نظرًا لحساسية العقود الإدارية وطابعها الجماعي المرتبط بالصالح العام، مما يجعلها تخضع لعدة جهات رقابية.

خاتمة

تمثل عناصر العقد الإداري الإطار القانوني الذي تستند إليه الدولة لتحقيق التوازن بين استخدام السلطة العامة وضمان حقوق المتعاقدين معها. ومن خلال هذه العناصر، يتضح أن العقد الإداري ليس مجرد اتفاق بين طرفين بل هو أداة من أدوات السلطة العامة لتحقيق التنمية وتسيير المرافق العامة وتحقيق المصلحة العامة. ويقتضي هذا النوع من العقود مراعاة ضوابط قانونية دقيقة تتعلق بالمرفق العام، والمال العام، وطبيعة العلاقة التعاقدية مع الأفراد، وهو ما يميزه عن باقي أنواع العقود المدنية والتجارية.

المراجع:

1. سليمان الطماوي، “الوسيط في القانون الإداري”، دار الفكر العربي، القاهرة.

2. د. عادل عبد الحميد، “العقود الإدارية – النظرية والتطبيق”، منشورات الحلبي الحقوقية.